صدرت الطبعة الثانية الجديدة من هذا الكتاب عن منشورات الحلبي الحقوقية ببيروت- لبنان عام 1998م، ومؤلف هذا الكتاب علم من أعلام القانون، وفقيه قلَّمَا يجود الزمان بمثله، فالدكتور عبد الرزاق السنهوري (1895م-1971م) أو حارس القانون وعملاق الأحكام المدنية كما يطلق عليه، والذي صاغ القانون المدني المصري، وكذلك القانون المدني للعديد من البلدان العربية مستلهِمًا أحكامه من الشريعة الإسلامية التي أحسن فهمها. وقد عمل الدكتور السنهوري رئيسًا لمجلس الدولة المصري في الفترة من عام 1949م حتى عام 1954م.
ومن أهم مؤلفات الدكتور عبد الرزاق السنهوري كتابه "نظرية العقد"، والذي قسمه المؤلف إلى جزئين، وأشار في مقدمته إلى أهمية تمصير الفقه القانوني، والذي يُعد أحد أسباب النهضة القانونية، كما أكد على أن نظرية الالتزامات لها لون عالمي، ومن العسير على الكاتب أن يعطيها لونًا مصريًا خالصًا، ثم أشار إلى أنه لم يألو جهدًا في ذلك.
واستعرض السنهوري في افتتاحية هذا الكتاب الطريق الذي سلكه في إتمامه؛ حيث كتب يقول:
واستعنت فيما حاولته بأمرين:
رسمت لنفسي أفقًا أتنقل فيه أوسع من الأفق الفرنسي المحض، فلم أكتف في مسائل كثيرة باستعراض النظريات الفرنسية واللاتينية، بل جاوزتها إلى النظريات الجرمانية والإنجليزية، وحاولت أن أستخلص من مجموع ذلك نواحي من النظر تكون أكثر انسجامًا مع تقاليدنا المصرية.
ثم أني لم أغفل إلى جانب ذلك الشريعة الإسلامية، شريعة الشرق، ووحى إلهامه، وعصارة أذهان مفكريه، نبتت في صحرائه، وترعرعت في سهوله ووديانه، فهي قبس من روح الشرق، ومشكاة من نور الإسلام، يلتقي عندها الشرق والإسلام، فيضئ ذلك بنور هذا، ويسري في هـذا روح ذلك، حتى ليمتزجان ويصيران شيئًا واحدًا، هذه هي الشريعة الإسلامية، لو وطئت أكنافها، وعبدت سبلها، لكان لنـا من هـذا التراث الجليـل ما ينفخ روح الاستقلال في فقهنا وفي قضائنـا وفي تشريعنا، ثم لأشرفنا نطالع العالم بهذا النور الجديد، فنضيء به جانبًا من جوانب الثقافة العالمية في القانون.
وقد عنيت بالقضاء المصري، وقدّمته على القضاء الفرنسي، واتخذته ذخيرة أستعين بها على نشر ما هو خالص المصرية من صفحات قانوننا، وتمنيت لو أن هذا القضاء مدّ لي من أسباب ذلك، فأوسع الخطا في طريق الاستقلال والتطوّر الذاتي، وأعانه المشرع المصري بما يسدّد خطاه وينير سبيله.
ووقفت فيما استعرضته من النظريات القديمة والجديدة موقف المعتدل، لا يستهويني من الجديد جدّته، ولا يثنيني عن القديم قدمه حتى إذا آنست في الجديد ثباتًا، وأحسست منه عمقًا ومطاوعة للتطور، تركت القديم إليه، وتعرفت فيه وجه القانون الحي المتجدّد.
وجانبت التعقيد في المصطلحات العربية، فأثرت السهل البسيط إذا كان دقيقًا في الدلالة على المعنى، ولم أعدل عن تعبيرات تؤدي المعنى في سهولة ودقة، "كالاشتراط لمصلحة الغير – والتعهد عن الغير"، إلى غيرها من التعبيرات الفخمة التي قد تنحط في الدقة بقدر ما ترتفع في الفخامة، ولم أغير من المصطلحات ما استقر في لغة القانون، وألفته الكتاب، وتذوّقه الجمهور، فإن من السفه أن نبدّد ثروة تم لنـا كسبها، وأن نهدم ما كمل بناؤه، لنستجد بناء غيره، لا يكون فيه من الصقل ما كان في البناء المهدوم.
ولم أستطع مجانبة ما تعوّدته من الإطالة في الحواشي، وقد وجدت فيها عونًا على التمييز ما بين المبادئ العامة، ومكانها المتن، والمسائل التفصيلية، وتنحدر إلى الحاشية، بل إني ميزت في المبادئ العامة نفسها ما بين الرئيسي وغير الرئيسي، حتى لا يختلط على القارئ ما هو جدير بإطالة النظر والتدبر فيـه، وما يقنع منه بالقراءة والإلمام، وحملني على ذلك تدرج نظرية الالتزامات تدرجًا يميزها عن سائر النظريات القانونيـة، فهي الأساس الذي يقوم عليه القانون، وهي بهذا الوصف تنكمش انكماشًا ضيقًا حتى تتركز قواعدها، وتنفرج انفراجًا واسعًا حتى تنبسط تفاصيلها على جميع نواحي القانون.
محتويات الكتاب:
كما ذكرنا آنفًا فقد قسم رحمه الله هذا الكتاب إلى جزئين على النحو التالي:
- نظرية العقد "الجزء الأول": وتناول هذا الجزء الموضوعات الآتية:
كلمة تمهيدية في الالتزام- ترتيب مصادر الالتزام- تعريف العقد- مبدأ سلطان الإرادة- تقسيم العقود- وجود الرضاء (التعبير عن الإرادة- الإرادة الباطنة- والإرادة الظاهرة- الإرادة المفردة- النيابة في التعاقد- تعاقد الشخص مع نفسه- توافق الإرادتين- عقود الإذعان- التعاقد بالمراسلة)- صحة الرضاء ( الأهلية- الغلط- التدليس- الإكراه- الغبن)- المحل- السبب.
- نظرية العقد "الجزء الثاني" وتناول هذا الجزء الموضوعات الآتية:
البطلان المطلق والبطلان النسبي- الفسخ- الدفع بعدم التنفيذ- انحلال العقد- الخلف العام والخلف الخاص-الدعوى غير المباشرة- الدعوى البوليصية- دعوى الصورية- التعهد عن الغير- الاشتراط لمصلحة الغير- تفسير العقد- المسئولية التعاقدية- القوة القاهرة ونظرية الحوادث الطارئة.
رابط مباشر لتحميل الجزء الأول
رابط مباشر لتحميل الجزء الثاني